الدكوانة، هذه البلدة الحافلة بالحياة، والمتكئة على كتف ساحل المتن الشمالي، من جبل لبنان، هي اولا بلدة المحبة والإلفة والعيش المشترك، وبلدة العطاء والسهر على المصلحة العامة،وأيضا بلدة الطيبة وعنوان الوفاء.

اشتق اسم الدكوانة من السريانية DAKUNA ومعناها"الرف او المصطبة"، او هو تحريف لكلمة Tukkane وتعني "الشرفات"، وربما اتى الإسم منحولا من الآرامية Dukkana وتفسيرها بالعربية "العلية او المكان المرتفع". ومن الروايات الشعبية الطريفة حول الإسم أن سيدة أضاعت ديكا لها فراحت تبحث عنه هاتفة "ديكي وينو؟" فتحولت صرختها مع الأيام إلى "دكوانة". ويروى أن الدكوانة اصلا كانت محاذية لمنطقة عيلوت، التابعة حاليا للمنصورية، وانتقلت إلى حيث هي اليوم ايام المكارية الذين كانوا ينقلون محاصيل الصنوبر من عين سعادة إلى بيروت،فكانت الدكوانة محطة لإستراحتهم.

أول العائلات التي سكنت الدكوانة قبل اكثر من 500 سنة هي: وازن، الناكوزي، شختورة، أبو عبود، الصيفي، روحانا، ابي حبيب، خوري، صادر، صفير، أبو كرم، ابي اللمع، جدعون، ابو ناضر، حمصي، تنوري، زغيب، زيادة،سيف، عازار، كرم، متى، والشدياق... ثم توافدت مع الزمن عائلات اخرى شكلت في البلدة نسيجا سكانيا متمايزا، اسهم في نمو البلدة وتوسيع نطاقها. تمتد الدكوانة اليوم على مساحة تبلغ 4,1 كلم2 ويراوح ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 30 و300م، وهي حتما من اقدم قرى المنطقة وبلداتها. ويحدها من الشرق الروضة ومن الغرب سن الفيل، ومن الشمال سد البوشرية، ومن الجنوب المكلس.

منذ عام 1775 تولى المخاتير إدارة شؤون البلدة،وكان اولهم المختار يوسف وازن، وتلاه تباعا المخاتير قبلان روحانا وقيصر وازن ابو حبيب وفريد وازن وأنطوان روحانا الذي استمر في منصبه 35عاما. وفي عهده تأسس اول مجلس بلدي للدكوانة عام 1958.

توالى على رئاسة المجلس البلدي كل من ابراهيم ملحم بو عبود وإميل قيصر ابي حبيب وأنطون بطرس بو عبود الذي انطلقت في عهده بوادر النهضة العمرانية في الدكوانة.

1967 حل المجلس البلدي وتسلم قائمقام المتن الشمالي حينها حميد خوري مهام البلدية، ثم اسندت إدارتها بعد عامين لمراقب الأشغال انطوان نقولا شختورة الذي انكبَ على العمل والتخطيط ومتابعة مسيرة الإنماء، حتى نجح عام 1981 بضم منطقة مار روكس إلى الدكوانة فأصبح اسمها "بلدية الدكوانة - مار روكس ضهر الحصين".

عام 1998 انتخب انطوان نقولا شختورة رئيسا اصيلا للمجلس البلدي في الدكوانة، وأعيد انتخابه عام 2004. حفل عهده بالخدمات والإنجازات الكبيرة والمواقف الوطنية المشرفة، واستطاع بالتعاون مع المجلس البلدي تنفيذ العديد من المشاريع الهامة التي لبت احتياجات المواطنين وحققت تطلعاتهم وآمالهم. بعد رحيله عام 2005، تسلم مسؤولية الرئاسة بعده نائبه عبدو ابو عبود، فأكمل المسيرة بكل امانة حتى انتهاء عهده.

عام 2010 اجريت انتخابات بلدية،وانتخب المحامي انطوان انطوان شختورة بالإجماع رئيسا للمجلس البلدي الجديد. "على قدر اهل العزم تأتي العزائم" لعلَ مطلع هذا البيت من شعر المتنبي يعبر خير تعبير عن الجهد الذي بذله الرئيس انطوان انطوان شختورة مع فريق عمله لتحقيق الوعود التي اطلقها قبل انتخابه، مؤكدا التزامه بها حتى النهاية.

في الدكوانة نسبة لافتة من المتعلمين والمتخصصين من أطباء ومحامين ومهندسين وأساتذة جامعيين وأهل فكر وفنانين وإعلاميين، اضافة إلى رجال الدين والأعمال والإقتصاد والعسكريين الذين تبوؤوا مراكز مرموقة. وتعتبر الدكوانة معقلا تربويا وتعليميا اساسيا في لبنان. فإلى العدد الكبير من المدارس الرسمية والخاصة فيها، هناك المدرسة المهنية والمدرسة الفندقية والمعهد السياحي ومعهد التمريض التي خرجت كلها آلاف الطلاب الذين غصت بهم سوق العمل في لبنان والخارج. بالإضافة إلى جامعة ال  ALBA وفروع لجامعات اخرى منها الجامعة اللبنانية (كلية الطب وكلية الزراعة) والجامعة اليسوعية (كلية الهندسة) وفرع لجامعة C.E.C وآخر لجامعة AUL. أما الصرح الأبرز في هذا الإطار، فهو المركز التربوي للبحوث والإنماء، المولج بإدارة السياسة التربوية في قطاعات التعليم كافة.

إلى ذلك، نجد في الدكوانة عددا من المؤسسات العامة التابعة لوزارات الدولة وإدارتها منها هيئة إدارة السير والآليات والمركبات التي تعرف بمصلحة تسجيل السيارات، ودوائر مصالح اخرى تابعة لوزارتي الأشغال والإتصالات، إضافة إلى مركز لأمن الدولة وفصيلة لقوى الأمن الداخلي، ومركزا للدفاع المدني قدمته البلدية. تغص بلدة الدكوانة بعدد من المنتجعات السياحية، والأندية الثقافية والرياضية، وفي طليعتها نادي الروضة الرياضي، الذي تدعمه البلدية وتفتخر بإنجازاته، وقد انشئت بالتعاون بين النادي والبلدية،اكاديمية للرياضة الجماعية والفردية. في البلدة ايضا مجمع اميل لحود الرياضي العسكري، وهناك ايضا عدد من المستوصفات والجمعيات الإجتماعية والدينية، ومنها جمعية قلب يسوع التي تأسست عام 1926 والحبل بلا دنس،وسانت تريز، اضافة إلى مكاتب اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي، الذي دشنها بطريرك انطاقيا وسائر المشرق، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إبان زيارته الرعوية إلى الدكوانة في كانون الثاني 2012. وقد اعلنه البطريرك مقرا رئيسيا لهذا الحوار في الشرق الأوسط. وتسجل في الدكوانة منذ ما يربو على اربعين عاما، حركة اقتصادية مزدهرة وناشطة تجلت في عدد كبير من المعامل والمصانع والشركات التجارية والمصارف والأسواق والمطاعم والمقاهي والمؤسسات... جعلت من البلدة محط انظار المستثمرين، وسهلت على سكانها الذين يبلغ عددهم 105 آلاف نسمة، كما على سكان الجوار سبل العيش وفرص العمل.

وقد شهدت الدكوانة نتيجة لذلك نهضة عمرانية وارتفاعا ملحوظا في سوق العقارات وتجارة الأراضي والبناء، فاكتظت مناطق مار روكز ورأس الدكوانة والسلاف والسيتي راما وغيرها بالأبراج والأبنية الحديثة السكنية والتجارية. قد لا نقع في الدكوانة على آثار تاريخية او مواقع اثرية. حتى الأبنية التراثية فيها باتت شبه نادرة، وأبرزها كنيسة مار جرجس الأثرية، وعلى اسم مار جرجس شفيع البلدة نجد ايضا الكنيسة الرعائية للموارنة الملاصقة لمبنى البلدية، إضافة إلى سبع كنائس اخرى منها كنيسة مار الياس للروم الكاثوليك وكنيسة سيدة صيدنايا للروم الأورثوذكس وكنيسة سيدة النجاة للموارنة... ومن المعالم التراثية ايضا في الدكوانة، دير مار روكس، المقر الدائم للرئاسة العامة للرهبانية المارونية الأنطونية،التي تأسست عام 1700، وفي الدير جامعة لدراسة اللاهوت. هذا الدير النابض بالتقوى، والمطل على بيروت والمتن من شرفات الصنوبر والزيتون والسنديان والليمون، شاهد على تاريخ حافل بالشهادة مذ أحرقه سليمان باشا المصري وقتل ثلاثين من رهبانه عام 1840، وحتى احتلاله من قبل المسلحين الفلسطنيين عام 1976، وتحريره بعد حصار لمخيم تل الزعتر دام 58 يوما، ويبقى هذا الدير منارة قدس وبركة تشع على البلدة الحبيبة الدكوانة.

لقد اثبتت الدكوانة التي قدمت العديد من الشهداء من اجل لبنان، ورغم ما مر بها من ظروف أليمة، أنها جديرة باسمها،لتكون أبدا تلك العليَة الأبيَة، المشرفة على مجد لبنان الغابر والآتي، تشارك في صنع حكاياته، وتبقى جزءا حيا من تاريخه الذي لا يموت.