أقامت الجمعية الثقافية الرومية حفلا تكريميا لمحافظي مدينة بيروت الراقدين منذ الاستقلال: نقولا رزق الله، جورج عاصي، بشور حداد، فيليب بولس، إميل يني، شفيق ابو حيدر، متري النمار وجورج سماحة، في قاعة مبنى "بيت بيروت" بالسوديكو برعاية محافظ بيروت القاضي زياد شبيب. حضر الحفل نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني، غابي قطيني ممثلا وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، سفير روسيا الإتحادية الكسندر زاسبكين، الوزير السابق نقولا صحناوي، مطران بيروت للروم الملكيين الكاثوليك كيريللوس بسترس، الأب جورج ديماس ممثلا متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، المحافظان السابقان نايف المعلوف ونقولا سابا، أعضاء مجلس بلدية بيروت، رئيس رابطة الروم الكاثوليك مارون ابو رجيلي، رئيس الجمعية البروفسور نجيب جهشان، أعضاء الهيئة الإدارية ولجنة التكريم للجمعية وأقارب وأصدقاء المحافظين المكرمين.
مخباط بعد النشيدين الوطني والقسطنطيني، كانت كلمة افتتاح لنائب رئيس الجمعية ورئيس لجنة التكريم الدكتور جاك مخباط، تحدث فيها عن تاريخ تأسيس الجمعية عام 2014، مشيرا الى أهدافها الرامية الى "ترسيخ المبادىء الأساسية لفهم الحضارة والثقافة الرومية في شرقنا وفي العالم وتأثيرها على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وأهمية هذه الثقافة والحضارة في فهم مجتمعنا"، وقال: "إن الجمعية أقرت تكريم المبدعين في عالمنا الرومي ممن قاموا بأعمال خلاقة وقيمة لخدمة الإنسان والإيمان". وأشار الى ان الجمعية "قررت تكريم المبدعين الأحياء في 24 كانون الثاني من كل عام، وهو ذكرى تأسيس الجمعية وتكريم المبدعين الراقدين في 29 أيار من كل عام ذكرى استشهاد مدينة القسطنطينية عام 1453". ثم قدمت الحفل الدكتورة ديانا بيطار، وتحدثت عن تاريخ نشيد القسطنطينية "الذي يعود الى عام 626م زمن حصار البرابرة والفرس لمدينة القسطنطينية".
جهشان ثم عرض رئيس الجمعية الثقافية الرومية للسجل الذهبي للمبدعين الراقدين، وقال: "ارتأت الجمعية الثقافية الرومية، التي أسست لثلاث سنين خلت، أن تحصي هؤلاء المبدعين الذين ساروا، كلا بحسب ما أعطي من مواهب، على خطى المبدعين العظام الذين طبعوا التاريخ بإنجازاتهم فكانوا رسلا للمحبة والإيمان كبولس، ومثالا للحكام والملوك كقسطنطين، ومشرعين للقانون والعدل كيوستنيانوس الكبير ودعاة للفن والترتيل كرومانوس المرنم وأساتذة فكر وتقوى كيوحنا الدمشقي، ورحلة رقي ونشر للسلام كمثوديوس وكيرلس المبشرين ورواد نهضة وحضارة كفلادمير الأمير الروسي، ورعاة للفقير والمعوز كباسيليوس الكبير، وغيرهم وغيرهم من كبار المبدعين الروم عبر عشرين قرن من حضارة مزينة بالإيمان والرجاء". أضاف: "إرتأت الجمعية الثقافية الرومية أن تحصي هؤلاء المبدعين الذين حملوا المواهب التي منحهتم إياها النعمة الإلهية في سجل معنوي يخلد ذكراهم ويؤيد عطاياهم، ليكونوا مثالا يحتذى في عصرنا الحاضر وفي الأجيال اللاحقة. ان إهمال هؤلاء المبدعين الذين غابوا عنا، ان حصل لا سمح الله، هو إهمال لتراثنا وتغييب لماضينا وازدراء بحضارة السلام والإيمان التي وصلتنا عبر اجيال وأجيال من الجهد والبذل والعطاء. حضارتنا المسيحية الرومية اثمرت هؤلاء المبدعين في الأجيال التي مضت، وهي تبعث بيننا اليوم مبدعين متألقين في سائر وجوه النشاط البشري، وهي ستقيم في المستقبل، ان أحسنا الحفاظ عليها والعناية بها وإيصالها سالمة الى الأجيال القادمة، مبدعين كثيرين أوفياء، نحن وإياكم في هذه اللحظات نجمع باقة من هؤلاء المبدعين ونقدم لهم تحية الإجلال، لنصل بهم وبشعبنا الى ثمة التألق في خدمة الله والإنسان". وتابع: "ارتأينا ايضا أن نكرم المبدعين سنويا على مرحلتين: الأحياء منهم في 25 كانون الثاني تاريخ تأسيس جمعيتنا، والراقدين منهم في 29 أيار تاريخ رقاد القسطنطينية المدينة المتملكة. ففي هذا اليوم الأسود عام 1453، رقدت هذه المدينة العظيمة التي قادت العالم المسيحي طوال إثني عشر قرنا فاستشهد مليكها وقادتها وأساقفتها وكهنتها ورهبانها وشعبها، وسالت دماؤهم أنهارا تروي الشوارع وصارت بيوتهم خرابا، ودنست كنائسهم، وتحولت مدينتهم الى أثر تاريخي يشهد لماض عظيم. هذه المدينة هي، في منظورنا اليوم، مثال المبدع الذي أعطى البشرية بزخم عظيم وأثرى الحضارة والثقافة بغنى روحي ومادي كبير. هي رمز لكل المبدعين الذين رقدوا في سائر حقبات تاريخنا المستمر منذ عشرين قرنا وما زالوا الى يومنا هذا يفارقوننا برقادهم تاركين في أفئدتنا شوقا الى حضورهم وأسى على غيابهم الأليم". وأشار جهشان الى ان الجمعية "ستحتفل كل عام بهذا السجل الذهبي للمبدعين الراقدين، وستسجل فيه، بعونكم وبركتكم ودعمكم، كثيرين من الذين برزوا أقمارا ساطعة في تاريخ أمتهم وتاريخ الإنسانية جمعاء". الحايك بعد ذلك، عرض المهندس عبدالله الحايك "للدور المميز للمحافظ في المدينة العاصمة وموضوع التقسيمات الإدارية وصلاحيات رئيس البلدية"، مقدما أمثلة عن بعض العواصم وصلاحيات المجالس فيها وقوانين بلدياتها، متمنيا على "فاعليات بيروت وكافة المسؤولين ان يضعوا نصب أعينهم مصلحة المواطن ومستقبل بيروت"، وقال: "ان هذه المرحلة المصيرية من تاريخ بيروت تتطلب تضافر جهود الخيرين من هيئاتها وعائلاتها لكي تكون مثالا للتعايش بين كافة ابنائها ولتحديث وتطوير قانون بلديتها بشكل علمي وحديث مع حفظ دور السلطة المركزية". ثم قدمت لجنة تكريم المبدعين في الجمعية نبذة عن سيرة حياة المحافظين الراقدين. المعلوف ثم كانت كلمة للمعلوف شكر فيها الجمعية على إقامتها حفل التكريم، متحدثا عن فترة توليه منصب محافظ بيروت عام 1992 بعد ان كان مديرا عاما لوزارة التربية. سابا بدوره، تحدث سابا مقدرا "الدور الكبير للمحافظين الراقدين الذين قدموا من وقتهم وعلمهم وتعبهم لمدينة بيروت"، قائلا: "اننا لا نجد كتابا يشير الى الذين تناوبوا على موقع محافظ مدينة بيروت في وقت نجد كتبا كثيرة تتحدث عن سيرة حياة السياسيين". وقال: "من المعيب أن لا نستذكر كل الذين ضحوا من أجل هذه العاصمة والإرتقاء بها الى ما هي عليه اليوم. عندما نتكلم عن العاصمة بيروت نقول انها منارة الشرق والمدرسة الرومية كانت هنا في بيروت والخريجون في المحاماة تخرجوا من بيروت منذ أكثر من 15 قرنا". شبيب ثم تحدث راعي الحفل فشكر الجمعية الثقافية الرومية على "جهدها الكبير ومبادرتها، إذ من النادر جدا تكريم المتقاعدين الذين خدموا القطاع العام لسنوات وسنوات، فكيف إذا تكريم الراقدين؟ فهذا جهد استثنائي وفريد، ويستحق الإضاءة عليه"، متسائلا: "لماذا هناك ميل إلى نسيان هؤلاء الكبار، وتخطي ما بذلوه في الخدمة العامة؟ فهم من وضعوا الأسس للعمل الذي نقوم به اليوم". أضاف: "نحن في محافظة بيروت ممتنون للمحافظين الراقدين، إذ أننا نغرف من تراثهم وأعمالهم التي ما زالت حية حتى الآن ونعيد تطبيقها. هؤلاء الكبار أعمالهم ما زالت موجودة وهم باقون من خلالها. لقد اتخذوا قرارات تنظيمية مهمة وأساسية في شتى المجالات، في الضابطة الصحية واستعمال الحيز العام وتنظيم السير، وهذه القرارات كثير منها ما زال قائما ونافذا، ونحن ما زلنا نسير على دربهم في تطبيق الكثير من هذه القرارات، ونعدل بعضها ليس انتقاصا من قيمتها وأهميتها بل للتتماشى أكثر مع العصر. كما نعمل على تطبيق ما لم يتسن لهم تطبيقه". وتابع: "تكريمهم اليوم هو تكريم للصيغة التي تدار بها العاصمة، والتي ثبت مع مرور عشرات السنوات أنها كانت وما زالت الصيغة الأفضل التي تضمن الممارسة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار وأعلى درجات الشفافية". بعد ذلك، جرى توزيع شهادات تقدير للمحافظين الراقدين تسلمتها عائلاتهم، وتليت في الختام الصلاة لراحة نفوسهم. |