بخطى ثابتة وواثقة، انطلقت ريا الحسن في مهامها بوزارة الداخلية في حكومة "الى العمل"، بشخصيتها المميزة وهدوئها الرصين المبني على "حزم مدروس" خارج المنطلقات الشعبوية التي لا مكان لها في قاموسها العملي الذي يغلب عليه المصطلحات الإنسانية والتقنية والاجتماعية والإنمائية أكثر من السياسية. المرأة التي فاجأها تعيينها كوزيرة للداخلية والبلديات كأول امرأة في هذا العالم العربي الذي يعد نصفه نساء، بحيث تبلغ نسبة المرأة1.3 في لبنان مقابل كل رجل على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر نفسها امام تحد كبير في وزارة تدير 60 في المئة من خدمات الدولة اللبنانية من قوى الامن الداخلي والامن العام والدفاع المدني وجهاز امن المطار، الى الأحوال الشخصية والبلديات والشؤون السياسية واللاجئين الى المحافظات وهيئة ادارة السير والصندوق التعاوني للمختارين في لبنان. إضافة الى المهمات السياسية الكبرى الملقاة على عاتقها في التفاعل السياسي والديبلوماسي اليومي في بلد يقع على خط الزلازل ويتعرض دوريا لهزات سياسية متواصلة، خفيفة حينا وقوية أحيانا. الا ان هذا التحدي الذي قبلته الحسن ينطلق من تحد وضعه رئيس الوزراء سعد الحريري امام ذاته أولا وامام الحكومة ولبنان والعالم ثانيا، في امتحان كبير يثق ضمنا في قدرة نجاحها من خلال دورها الاستشاري التقني المتقدم في مراحل سابقة كجزء من فريق الخبراء لوزراء المال (رفيق الحريري - فؤاد السنيورة – باسل فليحان ومحمد شطح)، الى تبوئها حقيبة المال التي ادارتها بجدارة كخبيرة في عالم المال والتنمية والمشاريع الى رئيسة المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس التي تحتاج الى كل شيء رغم يسرة بعض بنيها. الوزيرة التي تعمل 15 ساعة كحد أدنى، المقلة في الطعام، والمقتصدة في الكلام، منطلقة من الآية الكريمة: "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، تؤمن بالعمل المشترك وبوجوب وجود فريق متجانس خبير كل في مجاله، في اناقة البروتوكول "الانكليزي" الراق. وفي مكتب لتسيير مراجعات المواطنين القانونية فقط، تقدم الحسن أولوية حفظ امن المواطنين على كل المستويات، بالاضافة الى ميل واضح لحماية المرأة وحضها على تحصيل حقوقها القانونية في مجتمع ذكوري بامتياز يتباهى علنا في انفتاحه ويمارس ضمنا قناعة أخرى. سلسلة قرارات جريئة أصدرتها ابنة طرابلس والكورة منذ تسلمها مهامها ترى فيها مصلحة للبلد وللمواطنين، وترد على المزايدين بانها تعيش مع الناس وليس فوقهم. تعي جيدا مدى الهجمة التي ستتعرض لها في بلد غارق في المحسوبيات والزبائنية وتراكم المخالفات والتحايل على القوانين والأنظمة مرعية الاجراء، الا انها تعتبر ان بصمتها لن تكون الا لمصلحة المواطن أولا واخيرا. فقرار اقفال الاكشاك المخالفة مثلا لم يكن ليستهدف ذوي الدخل المحدود او الفقراء بل لكون هذه الكشاك اضحت مرتعا للدعارة وبيع المخدرات والممنوعات، وبالتالي فهو جاء من ضمن مصلحة المجتمع والمواطن ولبنان. هذا فضلا عن صرامتها في الأوامر الممنوحة للأجهزة الأمنية في ما يخص تعنيف المرأة، وحزمها في اتباع الاصول القانونية عند تنفيذ اعمال حفريات على الطرقات العامة والايعاز الى المحافظين وكل البلديات بالتشدد في تطبيق الاحكام المتعلقة بوجوب الاستحصال على الترخيص بالحفر من المرجع المختص، والتقيد بالمواصفات الفنية اللازمة عند ردم اعمال الحفر، ومسح الابنية القديمة المتصدعة أو الآيلة للسقوط وبرنامج عمل ادارات "الداخلية واجهزتها" لرفع مستوى الادارة، ومعالجة ظاهرة الكلاب الشاردة. بالاضافة الى اعادة ترتيب الرخص الممنوحة لعوازل الشمس خصوصا تلك التي تستعمل في غير مقصدها بهدف انهاء استفزازات "التشبيح" والاستعلاء على المواطنين وغيرها.. تدرك معاليها ان الاستتباب الأمني القائم هو نتيجة قرار إقليمي دولي حاسم بتجنيب لبنان خضات المنطقة، لكنها لا تنفي قوة التحصين الداخلي التي عملت عليها الأجهزة الأمنية البارعة وتجلت في العمليات الاستباقية ومكافحة الإرهاب والجريمة وقمع المخالفات، وان منطلقات قراراتها تصب في هذا السياق، لأنها لا تفصل ما بين الامن العام والامن الاجتماعي الذي هو خطر ينعكس في كوارثه على الحياة الاجتماعية للعائلات والمواطنين. ريا الحسن نموذج لبناني راق في عمله ومهامه ومتقدم في علمه وافعاله، طبعت بصمة اولية حتى اليوم وتطمح لطبع البصمات العشر مع نهاية ولايتها لترسخ في الوجدان اللبناني. وقد استطاعت ان تثبت، وباعتراف عربي ودولي، ان المرأة هي نصف المجتمع ومصدر قوته، وان تؤكد في انطلاقتها القوية مكانة لبنان في تميزه الحضاري. نأمل ان الا تتعثر في المستنقعات السياسية والطائفية في لبنان، والله ولي التدبير والتوفيق... ب.م.س |